vendredi 18 mars 2011

التقنية المسرحية في "فيفا لا ديفا" لهدى بركات

نادي الكتاب اللبناني - انطلياس
22-1-2010
المحتويات
1 - كسر الإيهام
2 – السرد
3 – التناص
4 – الخلفية الاجتماعية
5 – اللغة
6 - العبث
1 - كسر الايهام
من بداية المسرحية يظهر ميل المؤلفة إلى كسر الإيهام، فالإيهام يعني اقناع المشاهد بأن ما يشاهده واقع وحقيقة، وكسر الإيهام غرضه إعلام المشاهد بأن ما يشاهده مسرحية أي عمل تخييلي، وكسر الإيهام يظهر في قول المرأة: "الأسود عالمسرح مش كأنو اسود..." و"قلتلو للمخرج"، فذكر المسرح وذكر المخرج يعنيان مباشرة أننا إزاء مسرحية ولسنا إزاء واقع، وهذه التقنية تقع على طرف نقيض من مبدإ المحاكاة الكلاسيكي Mimésis الذي نصّ عليه أرسطو في كتابه "فن الشعر"، مما يعني اننا نواجه عملًا غير كلاسيكي وبالتالي لا يرتكز على تقليد الواقع أو محاكاته وإقناع القارئ بأن ما يشاهده هو الحقيقة.
وكسر الإيهام يتكرّر في تعقيب الممثلة على الدور الذي تؤديه، وهو دور فتاة مات والدها، فتقول: "وصير مثِّل وقول (تتصنع البكاء)، يا ويلي، يا دلي مات بيي.. أكبر ممثلة وما كنت أعرف مثِّل إنو بيي مات..."[1]، ويلي ذلك ذكر التمرين على دور الفتاة التي مات أبوها: "... أعرف عا انو مات وما راح يرجع... واحفظ بـ راسي إني عم صير يتيمة... شي متل التمرين"[2]، وتضيف: "ما اعرف ركِّب مشهد بـ راسي"[3]، و"ارجع شوف حالي بالتمرين"[4]، ومع ان المسرحية تكاد تكون من نوع المونودراما القائمة على وجود شخصية واحدة، ومونولوغ يمتد من بداية المسرحية حتى نهايتها، فإن وجود الملقِّنة يُدخل فيها الحوار الثنائي ويُدخل معه عملية كسر الإيهام بوضوح، فالملقِّنة وظيفتها مسرحية قبل كل شيء، وتذكِّر بأننا ازاء عمل مسرحي[5]، ويبلغ كسر الإيهام مداه عندما تقول الملقِّنة منبهة المرأة: "مفكرة انو الادوار المسرحية حياة، وانو المسرح حقيقة"[6].




2 - السرد
وبما ان المسرحية عمل سردي فسوف نقع فيها على حكاية أي مجموعة احداث تقع متسلسلة، فتتعاقب وتتطور حتى تبلغ النهاية، وبما اننا ازاء تمثيلية فهذا يعني أن المرأة سوف تمثل دورًا أو عدّة أدوار تنحبك لتؤلف نسيج المسرحية، ومنذ البداية نبيّن الدور المزمع تمثيله يتعلق بوفاة والد شخص بل شخصية: "أهم انسان بْـ حياتي مات... كنت فكِّر بس يموت بيّي راح موت وراه..."[7]. والدور الثاني الذي تلعبه المرأة هو دور الأم التي تقرأ لطفلتها "قصة يوسف"[8]: "قال يا بني لا تقصص رؤياك على اخوتك فيكيدوا لك..."[9]. وتتابع دور الأم ولكنها تتطرق هذه المرّة إلى عاشوراء: "ما بيقدر الواحد ما يبكي من قحوف قلبو هوِّه وعم يسمع عاشورا..."[10].
ثم تنتقل إلى دور المقرئة: "السلام عليك يا ابن عبد الله... السلام عليك يا ابن بنت رسول الله..."[11]، وتنتقل من دور الأم إلى دور المرأة المزمعة على الهجرة متابعة الموضوع الأول في المسرحية: "عال كندا.. شو بها كندا! عشر ملايين كيلومتر مربع أحسن من عشرة آلاف..."[12]، ولكن هذه المرّة من وجهة مسرحية: "كندا بلد كبير، واسع، طويل، عريض، فيه ملايين البشر.. والمسارح"[13]. ثم تلبس شخصية ماريّا كالاس وحبها لأريستوت اوناسيس وخيانته لها: "حب نسوان غيري وما تخليني أعرف.. كزِّب عليّ.."[14]، وزواجه بجاكي كيندي[15].
وتنتقل إلى تمثيل دور الملك لير في مسرحية شكسبير: "ما حدا بيحبني.. لاني ختيار، ولأني ملك.."[16]، ثم موضوع الضابط النازي وتصرُّفه الشائن مع صوفي وولديها: "عا مدخل معتقل اوشويتز كان هُوس ضجران.."[17]، ثم دور مزدوج: مسلح على حاجز ورجل عابر سبيل[18]، ثم دور اللايدي مكبث في مسرحية شكسبير[19].
3- التناص
والأمر الثالث الذي تطالعنا به المسرحية هو التضمين أو التناص، فالمسرحية تشير منذ البداية إلى قبعة سوداء، وتذكر أنها مستوحاة من إبسن، وتحديدًا من مسرحيته "بيت الدمية"، كما ورد في الصفحة 75 في فهرس أسماء العلم الأجنبية الواردة في نص المسرحية، والتناص وارد في الصفحة 11 بذكر مسلسل "ألو حياتي" و"لا تبك يا حبيب العمر"، وسوف يتكرّر مرارًا في المسرحية، والتناص الآخر في المسرحية يكمن بالإشارة إلى انتيغون بطلة مسرحية سوفوكليس وبالتالي انوي[20]، ونجد التناص في النص الديني المتعلق بقصة يوسف[21] ومسرحية Master class[22].
ويتوالى التناص في المسرحية، المتعلق بالموسيقى خصوصًا، بما أن ماريا كالاس، وهي مغنية الاوبرا الشهيرة ذات الأصل اليوناني، والصوت الاوبرالي الرائع، شاركت في أفلام وأوبرات، منها فيلم بازوليني ميديه، واوبرا بليني نورما، وبوشيني لاتوسكا[23]. وفي نطاق الموسيقى، وامتدادًا لدور ماريا كالاس يرد ذكر أم كلثوم، والشحرورة، وأسمهان، ونور الهدا، ولا تذكر فيروز لأنها تعتبرها ملاكًا وليس امرأة[24] ، وتذكر الديفا مقرونة بالخلود[25]، وفي نطاق التناص، يردُ ذكر مسرحية شكسبير "الملك لير"، لأن المسرحية تتعلّق بموقف بنات الملك لير الثلاث من والدهن، والأمر مرتبط بموقف المرأة في المسرحية من والدها العجوز[26].
ويطرد التناص بذكر ساره برنار ودورها في مأساة أتالي لراسين[27]، ورواية ستايرون "خيار صوفي"، ومسـرحية "ماكبث" لشكسبير مع تشديد على دور اللايدي ماكبث في الجريمة: "ما في قتل بلا مرا "ما في حـرب بلا نسـوان"[28]، "القصـة قصة اللايدي ماكبث بالاساس"[29].
وينتهي التناص بمسرحية "الذباب" لساتر، والعبرة منها: "بتفوت الدبانة بعين التيس القايد القطيع بتعميلو قلبو.. ما بيعود قاشع قدامو..، والقطيع لاحقو.. بيتهور، وبيهور القطيع وراه[30]، ناهيك من نيرون الذي ستحرقه روما هذه المرّة، وشعب صور يقول: "... تعو نحرق حالنا تا نربّي الاسكندر الكبير"[31].
4 - الخلفية الاجتماعية
وعلى الرغم من كسر الايهام نجد في المسرحية خلفية اجتماعية، بل نقع على أحداث تنتسب إلى الواقع، وقد وردت في المسرحية في سياقات نقدية، ورؤية إلى ما يقع خارج خشبة المسرح، وأول النقد يتناول الحرب اللبنانية، وقول المرأة: "أتخيل انو بيي مات بْـ منطقة غير منطقتو، وإنو لازم إقطع فيه خطوط التماس، وحواجز، وبلاوي، تافيني اقبرو حد اهلو..."، وألفت إلى كلمة "بلاوي" وكذلك: "صرت قلن للمسلحين"[32].
5 - اللغة
وفي المسرحية مستويان لغويان، أو سجلان ينتمي أولهما إلى العامية، وفيه الكثير من الجرأة الشائعة في أدب المرأة اليوم، ومثاله قول المرأة عن شيخوخة أبيها: "... يضل يختير تا يخرف، وجيبو لـ عندي عالبيت، يشخ ويخرا تحتو تا إزهق"[33]، وإلى جانب اللغة الدارجة لغة فصحى مثالها ما ورد على لسان "انتيغون": "نحن الذين نصرخ بالأسئلة حتى اختناق آخر الآفاق لا نرضى حلولًا إلاّ الأجوبة الكاملة المدورة المسدودة..."[34]، والموضوع اللغوي الثالث هو التداخل Interférence بين العربية والفرنسية، ويظهر في قول المرأة "ويعمل "ميناج" و"غران ميناج"[35].

وتظهر اللغة الدارجة ثانية في رد المرأة على الملقنة بقولها: ".. حلي عن ربي.. كلي خرا..."[36]، وتعود الكاتبة إلى سجل الفصحى في قصة يوسف[37]:
"... إن الشيطان للإنسان عدو مبين... إن ربك عليم حكيم، قد كان في يوسف وأخوته آيات للسائلين..."[38]، ونقع على المستوى الدارج واللغة الفصحى والتداخل في سياقات المسرحية كلها، وهذا يدل على أنها من الثوابت في لغة المسرحية، وأمثلة ذلك من سجل الدارج وفق تواليها في أقوال الملقنة والمرأة خصوصًا: "لا يا حمارة"[39]، "العالم كلو بينحني عا صرمايتك"[40]، "والبلد مطيز"[41]، "بدي اترك هالبلد الخرا"[42]، "ليك شخ تحتو العرْص"[43]، "إزا بيضاتو تقال"[44]، "هوه وعم يركبها"[45]، "عاطيزنا الاسكندر"[46].
ومن سجل الفصحى، وهي أقل ورودًا من العامية في المسرحية إذ المسرحية مكتوبة بالعامية أصلًا، القول التالي بلسان اللايدي مكبث من مسرحية شكسبير: "ايه ايتها القوات التي توحي بنيات القتل. جرديني من أنوثتي، أفعميني جفوة وقسوة من رأسي إلى قدميّ، أقفلي في ضميري كل منفذ تعبر منه الشفقة"[47]، وكذلك من الفصحى المنتسبة إلى الباروديا الساخرة (Parodie): "وكأنه يمكن أن ينجح فيديو كليب ويكتسح الشاشات على خلفية حرب العراق والصراع العربي الاسرائيلي"... من دون هزّة قفا، أو خلعة خصر..."[48]، ونلفت إلى المزاوجة بين الفصحى والعامية في الأسلوب الساخر الناقد. وأنهي من سجل الفصحى: " لا تبنى الأوطان إلا بالحروب" بشلالات الدم... الدم زبل الأوطان، سماد الحرية، زيت ماكينات التاريخ... رايات بأسنا العظيم تشق الحجر... مقابر مسوّرة بالسرو يهدهدها قمر أعجف مفلطح..."، وتعقب الملقنة على قول المرأة هذا قائلة: "أيوه! أيوه.. هيدا حكي.. الله مع دواليبك... اكرجي..."[49].
أما التداخل بين الفرنسية والعربية، وهو من قبيل احتكاك اللغات, فشائع في لغة المسرحية، وأمثلته متوالية: "ديبو"، "اتمكيج"، "الكود"، "مينيموم"[50].
6 – العبث
وتظهر ملامح العبث في المسرحية عندما يرن الهاتف وترفع المرأة السماعة المقطوعة الشريط[51]، وتمضي تخاطب ابن أخيها المتصل من كندا على مساحة أكثر من صفحتين[52]، ويختلط في حديثها المعقول باللامعقول، وتتداخل الأمكنة والشخصيات وتتعدّد، وتنتهي المكالمة بقول المرأة، وهي تنظر بثبات إلى الهاتف: "يمكن ما حدا ناطرني.. ويمكن ما عندي إبن خيّ بْكندا.. ويمكن هالتلفون ما يرنّ.. ويمكن شريط ومقطوع مش "هاندي"[53].
ومع ذلك يرن الهاتف ثانية في نهاية المسرحية، وتقبل المرأة تعزية المتصل، ربما بوالدها الوارد ذكر موته في بداية المسرحية، وتنتهي المسرحية بالاتفاق على دبلجة مسلسل مكسيكي فائق القوة[54].


[1] هدى بركات، "فيفا لا ديفا"، دار النهار للنشر، بيروت، 2009، الصفحة 12.
[2] المصدر نفسه، الصفحة 14.
[3] هدى بركات، "فيفا لا ديفا"، الصفحة 14.
[4] المصدر نفسه، الصفحة نفسها.
[5] المصدر نفسه، الصفحة 16.
[6] المصدر نفسه، الصفحة 27.
[7] هدى بركات، مسرحية "فيفا لا ديفا"، الصفحتان 11 – 12.
[8] المصدر نفسه، الصفحة 19.
[9] المصدر نفسه، الصفحة نفسها.
[10] المصدر نفسه، الصفحة 20.
[11] المصدر نفسه، الصفحة 21.
[12] هدى بركات، "فيفا لا ديفا"، الصفحة 15.
[13] المصدر نفسه، الصفحة 24.
[14] المصدر نفسه، الصفحة 30.
[15] المصدر نفسه، الصفحتان 31- 32.
[16] المصدر نفسه، الصفحة 41.
[17] المصدر نفسه، الصفحة 47.
[18] المصدر نفسه، الصفحة 49.
[19] المصدر نفسه، الصفحات: 51، 58، 59، 61، 64.
[20] هدى بركات، "فيفا لا ديفا"، الصفحة 15.
[21] المصدر نفسه، الصفحة 19.
[22] المصدر نفسه، الصفحة 29.
[23] المصدر نفسه، الصفحتان 33 و76.
[24] هدى بركات، "فيفا لا ديفا"، الصفحتان 33 و 37.
[25] المصدر نفسه، الصفحة 32.
[26] المصدر نفسه، الصفحة 40.
[27] المصدر نفسه، الصفحة 43.
[28] المصدر نفسه، الصفحات 51، 85، 59.
[29] المصدر نفسه، الصفحات 61، 64، 70.
[30] المصدر نفسه، الصفحة 64.
[31] هدى بركات، "فيفا لا ديفا"، الصفحة 66.
[32] هدى بركات، "فيفا لا ديفا"، الصفحة 16.
[33] هدى بركات، "فيفا لا ديفا"، الصفحة 13.
[34] المصدر نفسه، الصفحة 16.
[35] المصدر نفسه، الصفحة 18.
[36] المصدر نفسه، الصفحة 19.
[37] المصدر نفسه، الصفحة 19.
[38] هدى بركات، "فيفا لا ديفا"، الصفحتان 19 و20.
[39] المصدر نفسه، الصفحة 23.
[40] المصدر نفسه، الصفحة 40.
[41] المصدر نفسه، الصفحة 34.
[42] المصدر نفسه، الصفحة 36.
[43] المصدر نفسه، الصفحة 50.
[44] المصدر نفسه، الصفحة 62.
[45] المصدر نفسه، الصفحة نفسها.
[46] المصدر نفسه، الصفحة 66.
[47] هدى بركات، "فيفا لا ديفا"، الصفحة 58.
[48] المصدر نفسه، الصفحتان 63 و64.
[49] المصدر نفسه، الصفحتان 69 و70.
[50] المصدر نفسه، الصفحات 26، 28، 39 و63.
[51] هدى بركات، "فيفا لا ديفا"، الصفحة 52.
[52] المصدر نفسه، الصفحتان: 52 و54.
[53] المصدر نفسه، الصفحة 55.
[54] المصدر نفسه، الصفحتان: 73 – 74.


.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire