vendredi 18 mars 2011

"ديوان بين المجرة والسنابل" للشاعر: ريمون عازار

أُلقيت في الحركة الثقافية – انطلياس
20/11/2009

ديوان "بين المجرة والسنابل" ينتمي إلى شعر المناسبات، وخلافًا للشائع المتداول، أرى أن لشعر المناسبات قيمة كبرى، شرط أن يحسن الشاعر اختيار المناسبة المؤاتية، إذ أن للاختيار بحد ذاته دلالة اجتماعية، ووجدانية، وفكرية، فشتّان بين اختيار الشاعر مناسبة مأدبةٍ يقول فيها شعر طعام ومناسبةَ صدورِ ديوانِ شعر قيِّم يبدي فيه رأيه ويحدّد منه موقفه المؤتلف معه أو المختلف، وكما أن لاختيار المناسبة دلالة فكذلك للمعالجة دلالة، فإذا تمكّن الشاعر من استنطاق المناسبة واستبطانها تخطاها وبذلك جاوز العارض الطارئ إلى الباقي الدائم، فكانت في شعره عِبرة تدوم وتستفيد وتفيد. قل لي أي مناسبة تختار أقل لك من أنت، وأَظْهر لي طريقة معالجتك أقل لك ما إذا كانت قصائدك ستطوى مع المناسبة أو سـتـنقلها من العابر إلى الدائم ومن الطارف إلى التالد ومن الكلام إلى التجربة، ومن الحدث إلى الفن.
وننظر في المناسبات التي اختارها الشاعر الأستاذ ريمون عازار فإذا هي مناسبات جليلة ذات قيمة بذاتها ولذاتها، فليس من مألوف العادة أن نتذكر الدكتور ألبير مخيبر، والشاعر ايليا ابو شديد، والشاعر جورج غانم، والمحامي جوزيف باسيلا، والرئيس رفيق الحريري، والشهداء، والفنان عاصي الرحباني، والمحامي عبد الله القبرصي، والأستاذ كرم ملحم كرم، والفنان منصور الرحباني، والمحامي موسى تامر، والسيّد ادمون تامر، وتوجيه تحية إلى الرئيس اميل لحود، والقاضي جوني القزي، وتكريم الشاعر رياض المعلوف، والأب صبحي حموي، وتحية إلى القاضي غالب غانم، والمحامي فارس الزغبي، والاحتفال بيوبيل مدرسة الحكمة، وتكريم الشاعر منيف موسى.
وأبدأ من حيث بدأ الشاعر، بذكرى الدكتور ألبير مخيبر، وقد خاطب الدكتور مخيبر كأنه ماثل أمامه، بل كأنه حي، وهو كذلك في وجدان عارفيه ومحبيه من الذين يعتبرون التراث استمرارًا ودوامًا يُستذكران، لا أحوالًا تمضي ويطويها النسيان ويطوي الناسين معها، قال الشاعر مخاطبًا الدكتور مخيبر:

بالفقرِ تُغني، بالمحبة تغتني
وغناهُمُ مالٌ تكدس في الجيوبِ

لم تسأل الساعي إليك مؤملًا
أمن البقاع أم الشمال أم الجنوبِ
فالأرض واحدة، وشعبك واحد
وعليه تمطر مزنة الخير السكوبِ

إلاّ لأجله ما اتخذت مناسكًا
آمنتَ أن الله يعبد في الشعوبِ[1] .
قلت ان المناسبة هي ذكرى غياب الدكتور ألبير مخيبر، ولا شك في أن الدكتور مخيبر مثّل وما يزال يُمثّل للذين لا ينسَون الرجال المنارات في أوطانهم قيمًا جلّى، لَحَظ منها الشاعر انعدام المصلحية والاثرة، وايثار الفقر على جني المال، ووحدة الأرض ورفض المناطقية والتجزئة، والسعيَ إلى الخير وسيادة الشعب، وان الايمان الحق يعني تجسُّد الدين في الشعوب، وهذه القيم تُذكِّر بفضائل الدكتور مخيبر وبما اختاره الشاعر منها أي بما يمثل عقيدته هو وبما يريد أن ينقله منها إلى المتعظين الآملين في استرجاع القيم وخلودها وتخلديها والارتقاء إليها بالتذكير والتفكير والتبصر والوعي.
وأنتقل إلى محور الصداقة والشاعر ريمون عازار صديق صادق، والأحباب الذين تذكر خُلَّص أوفياء ما شابت محبتهم شائبة، وزان ودَّهم صفوٌ دائم، ومنهم الشاعر ايليا ابو شديد، واياه يخاطب:

قيل الصداقة، قلنا أنت سيدها
وقيل في النبل: فيك النبل يُختتمُ

يا راسخ الرأي لا تُخفى مقاصدُهُ
يا ثورة الحق لا تنفك تَقتحمُ...

أخي، ذكرتك، كم عانيت من ألم
وكم تمزّقت والأحداث تحتدمُ[2] .
وهذه الصفات، الصدق في الصداقة، والنبل في التعامل، والثبات في الرأي، والجُرأة في الثورة، والمعاناة والتمزّق، على أهميتها ركنًا ساميًا في علاقة الإنسان بأخيه الإنسان، يشفعها تدفق من شاعرية سمتها الايمان، والفن روعتها، والأرض والإنسان يجمعهما الحب ويرعاهما الخلود:
قالوا مضيت! فأهل الأرض ما خَلَدوا
قلت الخلودُ بما خطوا وما نظموا

يمضي الزمان ويبقى في ملاعبه
من ساحهُ الشعر، أو من ساحُه القلمُ[3].

والصديق بالصديق يُذكِّر كما المحبة تستدعي المحبة، والقلوب المتآلفة يَنبوع خير وارتقاء، هكذا تطل صورة صديق آخر هو الحبيب جورج غانم، وكان واسطة الخير والتعارف بيني وبين ريمون عازار، قال مناجيًا إياه:
كنا الأخوة تصفو في تواصلنا
كخمرة عتقت ما شابها زغلُ

إن مسك الجرح مرّ السيف في كبدي
وإن فرحت فقلبي الطائر الجذلُ...

توحد الرأي حتى قيل أيُّهما
كأن عن واحد لا عنهما سألوا[4].

فيا طيبها أخوة صفوها صفو، وجرحها واحد، وكذا فرحها، والرأيان رأي واستمرارها بعد الرحيل موكب خلود سبقه ما قيل من شعر قبل الفراق وما تلاه من شعر عقب الموت المخلِّد:
ما فرق الموت، نحن الموت نسقطه
الشعر أقوى به نحيا ونتصلُ
من الثريا انطلقنا أنجمًا سطعت
في كل أفق ففاض الحب والغزلُ[5].
وأصل إلى محور الوطن، ولا أقف طويلًا عند الوطنية، فهي في عقيدتي من المسلمات، بل من الايمانية، تحب وطنك أساء أم أحسن إليك، وتنتشي به أفي النور أم في الظلمة، في الري أم في الجفاف، في الحفر أم في المسالك والمعابر، حب الوطن إيمان مطلق لا يقبل الشرك والشك والزوغان. آمنت بالله، آمنت بلبنان وبرسالة لبنان وبلبنان الرسالة، ورسالة لبنان ثقافة وفن، وفي ذكرى جوزيف باسيلا قال الأستاذ الشاعر ريمون عازار:
قل للثقافة، ما لبنان منغلق
والمقفلون ثغور النور ما ولدوا
هنا اللغات، ومذ كنا نجسدها
نُغني ونُغنى، فما للنور معتقدُ
الضاد نحن، لها لبنان معتصم
ودون لبنان لا ضاد ولا عَضَدُ[6].
ورسالة لبنان غير قاصرة على صون العربية، فتطول الفن مع الرحابنة:

لا يسبرُ الكونَ إلا ومضُ أغنية
والخَلق، لا المال، يعلو زرقة النجمِ[7].

ورسالة لبنان شمولية في الأدب والفن والخطابة والقانون والحرب:
في الشعر، في النثر، في العلياء منبرهم
في الفن، في الحكم، في الأخطار تُقتحمُ[8].

وتبقى رسالة لبنان، تجاه لبنان، وهي رسالة الشاعر في شعره، والمؤمن في إيمانه، والمحب في محبته، والمزارع في زراعته، والصانع في صناعته، والحر وان في معتقله، وقد أطلقها الشاعر في يوبيل مدرسة الحكمة بصائب حكمته، فقال:

أعطيتـنا الله، ما عدنا لطائفة
لا للمذاهب، فالإنسانُ يحترمُ
من ذا يفرق، فالأديان واحدة
انا جميعًا "بحبل الله نعتصمُ"
هَدْيُ الكنائس والخَلوات في دمنا
مثل المساجد يدعونا فننسجمُ
لبنان يجمعنا والكون ملعبنا
كل الطوائف في أفلاكه نجمُ[9] .

[1] ريمون عازار، بين المجرّة والسنابل، جونية، دار نعمان للثقافة، 2009، الصفحة. 20.
[2] ريمون عازار، بين المجرّة والسنابل، الصفحة 28.
[3] ريمون عازار، بين المجرّة والسنابل، الصفحة 31.
[4] ريمون عازار، بين المجرّة والسنابل، الصفحة 33.
[5] ريمون عازار، بين المجرّة والسنابل، الصفحتان 33 – 34.
[6] ريمون عازار، بين المجرّة والسنابل، الصفحة 6.
[7] المصدر نفسه، الصفحة 56.
[8] المصدر نفسه، الصفحة 123.
[9] ريمون عازار، بين المجرّة والسنابل، الصفحتان 124-125.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire