vendredi 18 mars 2011

رؤيا القديس بولس لبولس طوق


ألقيت في الاونيسكو
20-6-2006


تعود بي الذكرى إلى أكثر من ربع قرن وتحديداً إلى العام 1980، إذ اتّصل بي صديق وفيّ، وكلّ صديق أخ، هو الدكتور سعيد البستانيّ وقال لي: إنّ الجامعة اللبنانيّة ترغب في عقد ندوة تتناول مؤلّفات طالب متميّز من طلابها هو بولس طوق. ولم أكن في تلك المرحلة قد عرفت بولس طوق شخصيًا بل قد سمعت عنه من بعيد. ولبّيت الدعوة بسرور. ذهبت إلى الجامعة اللبنانيّة وكان مقدّم الندوة الصديق المرحوم الدكتور يوسف فرحات، فقدّمني، كان يُعرّف عني في تلك المرحلة وهي مرحلة القسوة وصرامة الأحكام، وصوّرني حاملاً المباضع والمشارط لأنزل في كتب بولس طوق الطالب تشريحًا وتفكيكًا. إلا أنّني اعترضت بمحبة على التقديم ذاته. وقلت لم آتكم حاملاً المشارط والمباضع بل جئتكم حاملاً القلم بيد والمحبّة بيد أخرى والإعجاب في هذا الطالب الطالع إعجابًا موضوعيًا حقيقيًّا.
ولا أذكر ما قلته في ذلك الوقت، إلا أنّ ما قلته كان بداية علاقة استمرّت إلى اليوم وفي هذا الاستمرار ما يغني عن مزيد من القول.
بالنسبة إلى الكتب الثلاثة موضوع بحثنا... اخترت من دون تردّد الكتاب المتعلّق بالقديس بولس. لأسباب قد تكون شخصيّة أو ظاهريّة، إلا أنّنا إذا نظرنا في العمق وجدنا أكثر من التعبير الفواش الصاخب، القديس بولس من ناحية، بولس طوق من ناحية ثانية ومتري بولس من ناحية ثالثة.
هنالك ثلاثة أسماء: القديس بولس نحن بحاجة إلى شفاعته وخصوصًا أنا، أما العزيز بولس طوق فهو يقترب في كثير من الأمور، لا أقول من القداسة، بل يقترب إلى التوق من بعض القداسة.
أمّا أنا فبحاجة إلى شفاعة القديس بولس وإلى شفاعة بولس طوق في الوقت نفسه.
أبدأ بالكتاب من بدايته فقد صدّره الأستاذ بولس طوق، بمقدّمة وهي كما أقول أنا وسيلة فنيّة بل حيلة بارعة يلجأ إليها الكتّاب عادة ليقنعوا القرّاء بموضوعيّة ما يكتبون مع أنّ ما يكتبونه قد يكون في كثير من الأحيان متّسماً بالذاتيّة، وهذه الرسالة متّسمة بالذاتيّة إلا أنّ مقدّمتها حاولت أن تضفي عليها شيئاً من الموضوعيّة.
بولس طوق يقول إنّه، بطبيعة الحال، لن يجدها في قرية أخرى غير بشرّي، وجدها في بشرّي في هوّة صغيرة كالوجه وهذا التعبير رمزيّ. حفر هذه الهوّة فبلغ مغارة استلّ منها الرسالة وأرسلها إلى جامعة ستراسبورغ حيث أعدّ شهادة الدكتوراه وحيث له ولي أصدقاء محبّون، وهنالك قام الأساتذة بفكّ رموز تلك الرسالة فتبيّن أنّها رسالة القديس بولس الضائعة.
هذا الأسلوب الفنّي، هذه الجملة الفنيّة البارعة تضفي موضوعيّةً على كتابة بولس طوق الذاتيّة. ولو عاد الأمر إليّ لكنت تركت الرسالة ككنز عثر عليه طوق دون أن أشير إلى أنّني المؤلّف لا في ملاحظة في أسفل المقدّمة ولا في ملاحظة في آخر الكتاب.
فالقارئ اللبيب قد يضيع بين أمرين، بين الذاتيّة والموضوعيّة إلا أنّه من الأفضل أن نفتح له المجال ليتمكّن بذاته من ترجيح أحد الأمرين. هذه الرسالة رسالة ضائعة اكتشفها بولس طوق في رسالة جديدة تضاف إلى التراث الانسانيّ العريق.
كنت أؤثر أن يترك الأمر لي لأُرجّح، لا أن يهديني في ملاحظة في أسفل الكتاب، أو ملاحظة في آخر الكتاب. أعلم أنّه ينحو في هذا المنحى ما فعله الريحاني في كتاب خالد، عندما قال إنّه وجد كتاب خالد مخطوطاً في القاهرة أو ما فعله نعيمه عندما قال إنّه وجد مذكّرات الارقش في مقهى عربيّ في نيويورك فراح أبناء الجالية يبحثون عن المقهى وعن الأرقش من دون أن يجدوا لهما أثراً لأنّ الكتاب من ابتداع ميخائيل نعيمه.
هذه النقطة الأولى المتعلّقة بالمقدّمة، أمّا النقطة الثانية التي أرغب في أن أقف عندها فهي ما ذكره الاستاذ مطر، أنّ محوريّة الكتاب بكاملها تقوم على السيد المسيح رؤية بولس طوق إليه. وهذا ما يضفي على الكتاب من معاني المحبة والحريّة والاخلاص والخلاص وأنّني هنا أنقل معتمدًا على الذاكرة ما ورد في الفصول الأولى من الكتاب.
يضاف إلى ذلك، أن الكتاب حافل بالثقافة الدينيّة ومعروف أنّ بولس طوق مطّلع على التراث الإنسانيّ.
فالذي يقرأ أبحاثه الجامعيّة يعرف أنّه ملمٌ بالديانات عند اليونان وبأنّه يحبّ محبّة خاصّة Orphelis وأنّه مطّلع أيضاً على الديانات عند الفينيقيّين وكذلك عند الفرس وخصوصاً عند الهنود وأشير بالدقة إلى بوذا. يُضاف إلى هذا القضايا الأساسيّة اللافتة في هذا الكتاب والتي كانت فيها نظرة جديدة أعجبتني لا ذاتيًّا بل أقول موضوعيًّا وعن قناعة، في هذا الكتاب أولاً قيامة المسيح، فبولس طوق يرى أن الذين يشكّكون في قيامة المسيح يشكّكون في إمكان قيام الإنسانيّة، وهذا أمر في منتهى الذكاء، فإذا كان المسيح على ما أوتي من قوّة إلهية وعلى اعتباره ابن الله عاجزًا عن القيام في اليوم الثالث فالبشريّة كلّها محكومة بالفناء ولن تتمكّن من القيامة لا في اليوم الثالث ولا في اليوم الثلاثين.
هذه قضيّة مهمّة، الربط بين قيامة المسيح وقيامة المسيحيّين لا بل أقول قيامة جميع البشر.
النقطة اللافتة في هذا الكتاب، هي قضيّة الوحدة أو التوحيد. فالآخرون أو السوى يقيمون الصراع بين الأديان، في حين نرى بولس طوق يقيم التكامل بين الأديان، فكلّ دين من الأديان قبل المسيح وبعد المسيح لَبِنَة في عمارة سابقة، عمارة الايمان، والايمان محوره السيّد المسيح، فحيث التمزّق والتفريق يدعو بولس طوق إلى الوحدة والتكامل والتآلف.
إذًا القيامة أولاً والوحدة ثانياً.
النقطة الثالثة والتي تبدو غريبة بالنسبة إلى الغير، هي قضية التطوّر. إذ قامت بين التطورين، وأنا منهم وأعتقد أن بولس منهم، وما أسمّيهم أصحاب النقل، قامت صراعات على مدى الزمن واندلعت خصوصاً منذ العام 1882 في الجامعة الأميركيّة. وتصدّرها في ذلك الوقت جرجي زيدان. اتّفقت الجامعة الأميركيّة والتي كان لي شرف التعليم فيها إحدى وعشرين سنة وجامعة القدّيس يوسف التي لي الشرف ان استمرّ فيها في التعليم منذ أربعين عاماً. قامت الجامعتان بحملة شعواء على الذين آمنوا بالتطوّر أو اعتقدوا بالتطوّر واتّهموهم بالكفر بل كفّروهم إلى أن برز في حاضرة الفاتيكان يوحنا بولس الثاني البابا السابق وأعلن جهراً أن لا تناقض بين التطوّر والإيمان، أي لا تناقض بين العقل والنقل.
وكتاب بولس طوق يدعو إلى مثل هذا التلازم بين الايمان والتطوّر فالكتاب ركن من أركان هذا الكتاب قائم على عقيدة التطوّر. فالانسان وإن وجد بأمر من الله بإرادة إلهيّة "كن فكان" فإنّه ضمن الطبيعة والجسد يخضع لناموس التطوّر، وأعمّم في أنّ جميع المؤسّسات بما فيها المؤسّسات الدينيّة تخضع لناموس التطوّر. بالنسبة إلى بولس طوق التطوّر والإيمان لا يتناقضان فالمؤمن متطوّر والمتطوّر ليس بكافر.
والنقطة التالية التي أرغب في أن أقف عندها هي قضيّة التقمّص. وقد خصّ بولس طوق التقمّص بفصل كامل في هذا الكتاب.
بالنسبة إلى التقمّص لا اريد الخوض في إيمانه أو في عدم إيمانه بعقيدة التقمّص فالأمر عائد إليه، أمّا موقفه من التقمّص فموقف عقلانيّ مقنع. فإنّه يفسّر أوّل الأمر الفوارق بين الناس، يأتي الناس الأرض متمايزين من حيث الذكاء والغباء، من حيث الفقر والغنى، من حيث الصحّة والمرض، والله عادل، فكيف نفسّر هذا التمايز بين الناس. بالنسبة إلى بولس طوق لا يمكننا أن نفسّر هذا التمايز إلا بالعودة إلى أعمار سابقة وبالركون إلى مبدأ العدالة الإلهيّة. فالله العادل يفرض المساواة بين الناس جميعاً.
النقطة الثالثة التي يعالجها بولس طوق في فصل التقمّص هي قضيّة ما يسمّيه الارتقاء. الانسان يحتاج ليرتقي ليبلغ قمّة الارتقاء، بالنسبة إليه قمّة الارتقاء هي السيّد المسيح. يحتاج إلى تجارب كثيرة كي يصفى عبر الزمن مرّة تلو المرّة فيبلغ هو النهائيّ وهو الاتّحاد بالسيد المسيح. أمّا ما يقال عن عمليّة الخلق فهي بالنسبة إلى غير المؤمنين بالتقمّص تمّت مرّة واحدة والذين يوجدون على الأرض اليوم كان يجب أن يوجدوا منذ ملايين السنين انطلاقاً من نظريّة التطوّر. أمّا بولس طوق فيرى أنّ التجسّد لم يتمّ مرّة واحدة فالتعبّد يتمّ على التوالي والله قادرٌ على أن يخلق كلّ يوم أجيالاً جديدة من الناس. فالتجسّد لم يتمَّ مرّة واحدة وثمّة أرواح في العلى ما تزال حتى اليوم غير متجسّدة وهي قابلة للتجسّد في هذا الزمن أو في أزمان آتية. أختم كي لا أطيل عليكم، إنّ هذا الكتاب يتضمّن الكثير من نزاعات الصراع والجدل فكان بولس طوق المحامي ينفدُ إلى الكتاب في ناحية ثابتة ليرافع ويدافع أو ليرى الجانب القاتم المتعلّق بمسار البشريّة الطويل. في الحقيقة إذا نظرنا في مسار هذه البشريّة أدركنا اليأس فكأنّ السيّد المسيح لم يأتِ وهو في الطريق إلينا
.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire