vendredi 18 mars 2011

رأي في رواية حسن داوود


ألقيت في منتدى صور الثقافي
21 – 06 - 2009


أشكر لبلدية صور رئيسًا وأعضاءً، استضافتهم لنا وسوف أحدّد ما أعنيه في كلمة لنا، كما أنني أشكر أيضًا لمنتدى صور الثقافيّ تنظيمه هذه الندوة ولا أنسى مختارة صور السيدة يولا الخوري التي كان لها فضل كبير عليّ هي والأب مارون عطاالله في إعادة هذا الابن الضالّ إلى مدينته. فقلّة من الناس تعرف ان جدّي وجدّ جدّي وأبي وجدّتي وجدّة جدّتي من صور ومن الكفير. ويعلم الله أنّ لهذه المدينة تاريخًا ماضيًا وحاضرًا وآمل أن يكون ذلك مستقبلاً برعاية الأب مارون عطاالله ستكون في خاطري وفي محور نشاطي من الآن فصاعدًا. أشكركم لقد أعدتم ذاتي إلى ذاتي فأنا ممتنٌ لكم.
أتحدث بصورة عامّة عن التقنيّة الروائية تاركًا للجمهور الكريم ولرعاة نادي الكتاب الخوض في الشأن الخاصّ المتعلّق برواية الأستاذ حسن داوود.
1 – في التقنيّة الروائيّة
عندما أصدر نجيب محفوظ عام 1961، روايتة اللصّ والكلاب، اعتبرها النقّاد توجّهًا جيّدًا في مسيرة الروائيّ المصريّ، وتحوّلاً في تطوّر الرواية العربيّة الحديثة، وهذا الحكم عادل بالنسبة إلى الكاتب لأنّه، بعد سلسلة من الروايات الواقعيّة، شرع في مرحلة رمزيّة جديدة، واعتمد تقنيّة ترتكز أساسًا على الحوار الداخليّ. وهو صحيح بالنسبة إلى الرواية العربيّة الحديثة، لأنّه يؤذن بأن الرواية الواقعيّة كادت تستنفد جميع وسائلها التقنيّة. لكن رغم هذا الحكم وصحّته، بقيت سِمَةٌ مهمّة من رواية محفوظ خافية، وهي تقنيّة السرد التي اعتمدها، أو اختبرها، وتتعلّق، تحديدًا، بالراوي الذي يقوم بالسرد.
أبدأ بالراوي
1 – الراوي Le narrateur
لقد ميّز التراث النقديّ نوعين من الرواة: راوٍ خارجيّ يتولّى السرد مراقبًا من دون أن يكون إحدى شخصيّات الرواية، فهو خارج العالم الروائيّ، ويعتمد في سَردِه ضميرَ الغائب (هو). وراوِ داخليّ، هو مِن شخصيّات الرواية، ويسرد حوادثها ويرسم شخصيّاتها. إنّه داخل العالم الروائيّ، ويتولّى السرد بضمير المتكلّم (أنا). الأوّل هو راوٍ موضوعيّ خارجيّ، أما الثاني فراوٍ ذاتيّ داخليّ. نوع ثالث من السرد ظهر حديثًا، وقوامه ازدواج الراوي إذ يخاطب نفسه. إنه السرد باعتماد ضمير المخاطب (أنتَ) أو (أنتِ).
هؤلاء الرواة الثلاثة، الممثّلون بالضمائر الثلاثة، أنا، أنت، وهو، هذه الأصوات الثلاثة كان يجب ألاّ تُعتمد في عَمل سردي واحد. فعندما نَشرَ سهيل إدريس، في العام 1962، روايتَه أصابعنا التي تحترق انتقده نعيمه في كتابه الغربال الجديد لأنّه ناط السردَ في القسم الأوّل من روايته بشخصيّة، وعهِد فيه إلى شخصيّة أخرى في القسم الثاني. قال نعيمه مخاطبًا سهيل إدريس: "لم أفهم لماذا اخترتَ أن تسرد نصفَ الرواية بلسان سامي الذي هو أنت، وتسرد النصف الآخر بلسان إلهام التي هي السيّدة عايدة زوجتك، فتجعل القارئ يشعر كما لو كانت رواية اشترك في تأليفها اثنان"[1].
لكن، قبل عام من صدور أصابعنا التي تحترق كان نجيب محفوظ قد اعتمد في رواية اللصّ والكلاب سردًا بثلاثة أصوات، من مثال: "أنتَ مطارد، أشدّد على الضمير أنتَ، منذ عُلم بالإفراج عنك وأنتَ مطارد... وإن لم تَضرب سريعًا انهار كلّ شيء، هذا ضمير أوّل أنت للمخاطب. ولكن من يبقى لسناء؟ الشوكة المنغرزة في قلبي. المحبوبة رغم إنكارها لي... أشدد على قلبي، ضمير المتكلم. كان يحوم حول البيت... اقترب من باب البيت ملاصقًا للجدار ثم دخل، وصعد السلالم في حذر شديد"[2]، الضمير الثالث هو.
ما كان في العام 1961 جرأةً صار اليوم تقنيّة عاديّة معتمدة نجدها مثلاً، في رواية ياسين رفاعية مصرع ألماس. كما نجدها أيضًا في رواية الأستاذ حسن داوود فالرواة متعدّدون في روايته.
وهم على التوالي. في القسم الأوّل أخو وليد الأكبر الذي روى القسمين الخامس والثامن.
هناك راوٍ أوّل يسرد ثلاثة أقسام. أمّا القسمين الثاني والسابع فيرويهما وليد، الأخ الأصغر للراوي الرئيسيّ الأكبر. ثم هنالك قسم ثالث ترويه سُلمي وقسمين رابع وسادس يرويهما تيسير. إذًا تعدّد الروايات بالنسبة إلى ثمانية أقسام. هنالك أربعة رواة يتولّون الرواية والسرد.
أنتقل إلى قضية زمن السرد.
2 – زمن السّرد
نحن ندين لجيرار جونيت، في الجزء الثالث من كتابه أشكال Figures III، بدراسة شاملة للزمن في السرد. وبغية استخدام هذه الأداة المنهجيّة علينا أن نميّز زمنين داخل العمل الروائيّ: زمن القصّة، أي تتابع الحوادث وفق وقوعها الفعليّ، وزمن السرد، أي زمن الكلام الذي يرويها، والزمانان لا يتطابقان دائمًا، فغالبًا ما يقَع التناقضُ بينهما، إذ هناك الكثير من الرجعات، أي العودات إلى السابق، وتحدث عندما يروي المؤلّف لاحقًا ما وقع من قَبل، وثمّة استباقات، وتكون عندما يروي مسبقًا ما سوف يقع لاحقًا.
هذا التحليل الدقيق والجاذب للزمن في الرواية، ينمّ على استقراء تفصيليّ وتوجّه واقعيّ. وإنّ الروائيّين غالبًا ما يلجأون إلى هذه التقنيّات الزمنيّة الرجعات والاستباقات، لكنّ الاقتصار على رصدها والاكتفاء بإحصائها في الروايتين من شأنهما طَمْسُ وظائف الرواية وأهدافها، وتاليًا تحويل الزمن إلى هيكل عظمي. وهذا الأمر لا ينطبق على رواية حسن داوود فعنده رجعات تتعلق بالزمن واستباقات تتعلق بالزمن. بالنسبة إلى السرد هنالك مطابقة بين الحدث والحديث عن الحدث فكما أنه يؤثّر على الزمن الحاضر إلا أننا نجد في روايته رجعات وان كانت قريبة المدى. وهذا ما ترويه سُلمى في أثناء وجودها في الدانمارك عمّا حدث لها في الزهرانيّة.
هذه رجعة إلى ما سبق زمن السرد. أمّا الاستباقات فتقع ما تقع في توقّعات الحرب وشرورها.
أنتقل إلى نقطة ثالثة تتعلّق بالشخصيّات.
3 – الشخصيّات
حلّ مفهومُ الوظيفة محلّ مفهوم الشخصيّة بعد دراسة فلاديمير بروب Vladimir Prop لنماذج الشخصيّات في الحكايات الشعبيّة الروسيّة. ونموذج العامل actant، الذي استوحاه غريماس من الألسنيّ البنيانيّ Tanier، يُمدّ الباحث في الرواية بعُدّة منهجيّة فاعلة، لكن يجب ألا ننسى أنّ الروائيّين يثابرون على خلق الشخصيّات. حقًّا، لم تعد الرواية فصلاً من علم النفس. وبعد رواية السراب لم يُصدر نجيب محفوظ أيّ رواية نفسيّة. أمّا حكاية زهرة لحنان الشيخ فحالة استثنائيّة. بالنسبة إلى الشخصيّات في رواية حسن داوود، والشخصيّات منها الرئيسيّة ومنها الثانويّة، وأهمّها شخصيّة تيسير بائع العصافير، وأخو وليد الأكبر ووليد الأخ الأصغر وهما بائعا ألعاب، تضاف إليهما شخصيّات نسائيّة سلمى وكوثر، وزوجة أبي عاطف، وأبو عاطف نفسه، وأبو تيسير وابنه جميل، وجماعة من الشباب والصبايا من الجيل الجديد اللاهي أو المقاتل فيما بعد.
أنتقل إلى المكان
4 – المكان
ومن الشخصيّات ننتقل إلى المكان، لنلاحظ أن الروائيّين اهتمّوا دائمًا بالأمكنة التي تقع فيها حوادثُ رواياتهم وحيث تعيش شخصياتُهم، حتى إنّ بعض النقّاد أخذ عليهم الإسراف في وصف الأمكنة مما يعوق تطوّر الرواية، في حين اعتبر آخرون المكان مجرّد إطار أو زينة لا أهميّة لها.
أمّا اليوم فنجد اهتمامًا بالغًا بالمكان الروائي، ويعنون بذلك مجموعة العلاقات المتعارضة بين الأمكنة المختلفة داخل الرواية، ولا يُهملون التفاعل بين الفضاء والشخصيات والرؤية والظروف الاجتماعيّة، ومثال ذلك بروز المكان في جميع روايات إملي نصرالله، فالتعلّق بالقرية، والهروب، والخوف من المدن الكبرى، والاقتلاع، هي مواضيع ثابتة في طيور أيلول والرهينة والإقلاع عكس الزمن والجمر الغافي.
بالنسبة إلى المكان في رواية حسن داوود فإنّ معظم الأحداث تقع في مكان واحد هو الزهرانيّة والاهتمام بالمكان بالغ الدقة. فذكر البحر والصخور الناتئة الموصلة إليه، وبركة السباحة، والأراضي السهلة والهضبة المرتفعة، والمباني القديمة كبيت الأخوين بائعي الألعاب وبيت أبي عاطف، ومنزل أبي تيسير المسيّج، والعمارات التجاريّة الجديدة الشاهقة، والمحلات البسيطة، والشارع الممتدّ وسط الزهرانيّة والسيّارات العتيقة والباصات، كلّ هذا ماثل بدقّة تبلغ حدّ المعاينة، فكأنّ الكاتب رأى هذه الأمور بأمّ عينه.
أنتقل إلى أمر آخر يتعلق بالإيديولوجية
5 – الإيديولوجية
بالنسبة إلى الإيديولوجية، لا أعني بالرواية عملاً أيديولوجيًّا، إذ في مثل هذه الحال تُصبح الرواية وسيلة أو إعلان إيمان، بينما تعني الإيديولوجية في الرواية الصراع بين مبدأين، أو فكرتين، أو عقيدتين، من دون أن يتّخذ الروائيّ منهما أيّ موقف مسبق.
لكنّ القارئ يستطيع استنتاج إيديولوجية الروائيّ بعد فراغه من القراءة. أمثلة ذلك، المُستنقع لحنّا مينه، وقلب الليل لنجيب محفوظ، وشرق المتوسّط لعبد الرحمن منيف. فالروائيّون الثلاثة يؤيّدون، تواليّا، العمّال، والاشتراكيّة، والحرّية السياسيّة، من دون أن يحوّلوا رواياتهم إلى بيانات سياسيّة.
بالنسبة إلى رواية الاستاذ حسن داوود، أقف عند قضية الحركة وهي لافتة في روايته:

6 - الحركة: على الرغم من تعدّد الروايات بالنسبة إلى الحدث الواحد، فإنّ حركة الرواية نشطة لا تعرف الجمود ولا تثير السآمة، فتيسير بائع العصافير ينتقل من البله والجنس والجبن إلى الجرأة حتى القتل، وسلمى من الإغراء إلى العلاقة المباشرة، إلى الزواج فالهجرة إلى الدانمارك، وأبو عاطف من الإقامة في البلاد إلى الهجرة إلى أميركا، ووليد من مصادقة جيل الشبّان إلى الابتعاد عنهم، والمنطقة كلّها من التجاور إلى التنابذ ومن الإقامة إلى الرحيل، وشقّ الطرقات الجديدة ابتعادًا عن الجوار.
[1] - ميخائيل نعيمه، الغربال الجديد، المجموعة الكاملة، المجلّد السابع، الصفحة 567.
[2] - نجيب محفوظ، اللص والكلاب، الصفحة 76.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire